في “عرزاله” البيروتي الذي اتخذه ملاذاً للكتابة والكآبة، في الطابق الأخير من بناية سكنية يدلف اليها المرء من زاروب ضيق وسط شارع الحمراء، يفضي إلى حائط يسد الطريق، قال لي جوزف حرب صيف عام 1993: “زياد الرحباني يلتقي مع كل إنسان جاء إلى هذه الأرض”.
ستكون هذه العبارة أشبه بمفتاح قديم أجده صدفة بعد مضي ثلاثة وعشرين عاماً، وسيقودني إلى أشخاص هذا الكتاب. هؤلاء، لا تربطهم بزياد الرحباني علاقات، من أي نوع، على المستوى الشخصي. يجمعهم، دون أن يلتقوا مع بعضهم البعض حتى، أن مصائرهم تلاقت في أمكنة وأزمنة واحدة، حيث تشاطروا الكثير من المسرّات والخيبات والأحلام والأنكسارات، وحافظوا دائماً على قدر من حنين وحنان، يكفي لكي “يجتمعوا” هنا. وصودف أن زياد كان أجمل “المشترك” بينهم، في المكان والزمان. هو أكثر من “عاش” هنا، وأكثر من “مات” هنا، في حاضر صار فيه العيش والموت مَجازين كبيرين.