"من القلعة انحدر الغيم أزرق نحو الأزمة... شال الحرير يطير وسرب الحمام يطير وفي بركة الماء تمشي السماء قليلاً على وجهها وتطير... وروحي تطير كعاملة النحل بين الأزقة، والبحر يأكل من خبزها، خبز عكاّ ويفرك خاتمها منذ خمسة آلاف عام، ويرمي على خدّها خدّه... في طقوس الزفاف الطويل الطويل... رسوت ببنائها، لا لشيء سوى أن أمي أضاعت مناديلها ههنا ... لا خرافة لي ههنا. لا أقابض آلهة أو أفاوض آلهة. لا خرافة" لي ههنا. كي أعبىء ذاكرتي بالشعير، وأسماء حرّاسها الواقفين على كتفيّ انتظاراً لفجر تحتمس، لا سيف لي، لا خرافة لي ههنا لأطلق أمي التي حمّلتني مناديلها، غيمةً غيمةً، فوق ميناء عكا القديمة... عند الرحيل".
محمود درويش يترك حصانه وحيداً ليرحل هائماً وراء حلم غاب خلف ضباب السنين، حلمه وطن ساكن في شغاف القلب، وفي حنايا الوجدان، يركض خلفه عابراً مسافات نفسه متجاوزاً حدود الزمان، حدود المكان، يدخل مدن الأساطير، ويعبر بحور الخيال لتستقر روحه الحزينة عند شواطئ الشعر، متشكل مشاعره كلمات حروفاً معاني تسائله لماذا تركت الحصان وحيداً!! ولماذا تركت الوطن وحيداً!!.