ماذا لو كان عملك شديد الأهمية بالنسبة إليك لدرجة أنك - وأنت على فراش الموت - وجدت نفسك تتمنى قضاء يوم إضافي آخر في العمل؟
لقد توفي والدي وأنا أؤلف هذا الكتاب، وفي الأشهر السابقة على وفاته، كان لديَّ الوقت لأن أستعيد معه ذكريات الماضي، والحديث عن أهم المحطات في حياته، ومن بينها وظيفته.
كان والدي يعمل في مجال الأعمال المصرفية، وفي ذروة حياته المهنية، كان رئيس عمليات الاندماج والاستحواذ في المؤسسة الاتحادية للادخار وتأمين القروض، التي اندمجت بعد ذلك مع المؤسسة الاتحادية للتأمين على الودائع، وفي أثناء أزمة المدخرات والقروض في ثمانينيات القرن العشرين، أدار فريقًا كان الهدف من تكوينه دمج البنوك متدهورة الأوضاع مع البنوك القادرة على سداد الديون؛ كي لا يضطر دافعو الضرائب إلى تحمل التكاليف كلها، إذا ازدادت حدة أزمة المدخرات والقروض.
وكان والدي يضع في مكتبه لوحة ورقية قلابة لتتبع مقدار المال الذي وفره القسم الذي عمل فيه لدافعي الضرائب في الولايات المتحدة. وكان يُحدِّث هذا الجدول يوميًّا، ويشارك جميع من يدخلون مكتبه ما لديه من بيانات. وقدَّر الخبراء الماليون مقدار المال الذي وفره والدي وفريقه لدافعي الضرائب بمليارات الدولارات. كانت المخاطر عالية، وكان العمل صعبًا، ولكن فريقه كان شغوفًا بالعمل؛ لأن أعضاءه عرفوا أن دوره مهم.
وقد سمعنا جميعًا القول المأثور: لا أحد يتمنى وهو على فراش الموت أن يقضي يومًا إضافيًّا في العمل. إنني أعتقد أننا نخطئ فهم هذا القول المأثور؛ فهو يقلل من شأن الدور الذي يلعبه العمل الهادف في حياتنا؛ فقد كشفت دراسة، أُجريت عام ٢٠٠٥ على مرضى السرطان المزمن، أنه عندما ينتهي المرضى من التحدث عن أسرهم، فإن ما يتكلمون عنه بعد ذلك باعتباره بعضًا من أكثر التجارب الهادفة في حياتهم، هو أداء أعمال مهمة مع أناس يهتمون بأمرهم.
وتعكس هذه الدراسة تجربتي مع والدي، حيث كان يحب أسرته، ووفقًا لمعايير اليوم، فقد كان يقضي مع أطفاله وقتًا أكثر كثيرًا من الذي كان يقضيه معظم الرجال الآن مع أطفالهم؛ فكان يقوم بتغيير الحفاضات، كما لعب دور المدرب الرياضي لنا، ونفذ مشروعات منزلية، وذهب معنا في رحلات تخييم، بل إنه تعلم كيف يحسب النقاط في لعبة الجمباز لكي يساعد فريق مدرستي الثانوية.
ولكنه أيضًا أحب وظيفته؛ فعندما مرض والدي كانت قراءة مجاملات زملائه السابقين من اللحظات الرائعة بالنسبة إليه. كذلك كان يحب التحدث عن الأوقات الجيدة، والسيئة، والعقبات التي واجهوها في عمله، والصفقات التي كُلِّلَتْ بالنجاح، والصفقات التي لم يكتب لها النجاح. كان والدي يمتلئ بالفخر عندما يتحدث عن فريقه، والأثر الذي تركه في النظام المصرفي.
من السهل قول إن الأسرة هي أهم شيء، ولكن مشاهدة أبي وهو يفكر مليًّا في حياته، جعلتني أرى بوضوح أن العمل مهم للغاية. إننا نقضي معظم الساعات التي نكون فيها مستيقظين في العمل؛ لذا ينبغي أن تعني هذه الساعات شيئًا.
قال "فيكتور فرانكل" ذات مرة: "لا تصبح الحياة غير محتملة أبدًا بسبب الظروف، بل فقط بسبب عدم وجود معنى أو هدف لديك".
إن الناس مجبولون على التفكير في الهدف، وبمجرد أن يحصل الفردُ على الطعام والمأوى والهواء والماء، يصبح لديه مطلبان أساسيان وهما: التواصل والمعنى؛ فنحن نريد أن نحدث فارقًا، ونريد شيئًا يجعل لحياتنا قيمة، وهذا الاحتياج النفسي يتجاوز الجنس، والعرق، والعمر، والثقافة. وإذا لم نلبِّ هذا الاحتياج الأساسي، نموت وجدانيًّا أولًا، ثم جسديًّا.
وللأسف، ينظر الكثيرون إلى أعمالهم باعتبارها خالية من أي
هدف سامٍ؛ إذ يرونها مطحنة؛ سلسلة لا نهائية من المهام التي لا تحمل أي معنى