اليوميات الخاصة بأحد أباطرة روما العظام، والخطابات الشخصية لأفضل مؤلف مسرحي وأحكم صانع قرار سياسي في روما، ومحاضرات معلم مؤثر كان فيما مضى عبدًا, ثم حُكم عليه بالنفي. كل تلك الوثائق المذهلة تمكنت من النجاة طوال ألفيتين كاملتين متحدية جميع الصعاب.
ماذا يقولون؟ هل تحتوي تلك الصفحات العتيقة الغامضة على أي شيء يتعلق بالحياة المعاصرة؟ تبيَّن أن الإجابة، نعم! إنها تحتوي على بعض من أعظم أنواع الحكمة في تاريخ البشرية.
تكوِّن تلك الوثائق مجتمعة حجر الأساس لما يُعرف بالفلسفة اليونانية، وهي فلسفة قديمة كانت فيما مضى أحد أشهر الأنظمة المدنية في الغرب، وكان يتبعها الأثرياء والفقراء، أصحاب السلطة والمكافحين على حدٍّ سواء في سعيهم نحو عيش حياة جيدة. ولكن، على مدار القرون، بدأت المعرفة عبر هذا النوع من التفكير، والذي كان ضروريًّا بالنسبة للكثيرين ذات يوم، تختفي من المشهد.
بالنسبة لغالبية الساعين الجادين لامتلاك الحكمة، لا تعتبر الفلسفة اليونانية مبهمة أو غير مفهومة. ولا شك في أنك لن تعثر على كلمة ظلمتها اللغة أكثر من كلمة "فيلسوف". وبالنسبة للشخص العادي، أصبحت طريقة الحياة تلك - النابضة بالحياة والقائمة على العمل والمغيرة للمعتقدات - تُختصر في كونها "خالية من العواطف". وبفضل حقيقة أن مجرد ذكر كلمة فلسفة تصيب غالبية الناس بالعصبية والملل، تبدو "الفلسفة اليونانية" في ظاهرها كأنها الشيء الأخير الذي قد يرغب أحد في تعلمه، ناهيك عن أن يحتاج إليه في حياته اليومية.
يا له من مصير محزن لتلك الفلسفة التي وصفها أحد منتقديها الدائمين، أرثر شوبنهاور، بأنها: "أعلى نقطة يمكن للمرء الوصول إليها باستخدام قدرته المنطقية".
هدفنا من تأليف هذا الكتاب هو إعادة الفلسفة اليونانية إلى مكانتها المستحقة كأداة لتحقيق البراعة الذاتية المثابرة والحكمة: شيء يستخدمه المرء ليعيش حياة رائعة بدلًا من أن تكون مجالًا مقصورًا على الأبحاث الأكاديمية.
مما لا شك فيه أن الكثيرين من أصحاب أعظم العقول في التاريخ لم يستوعبوا الفلسفة اليونانية كما هي فحسب، بل تبحروا فيها: جورج واشنطن، والت ويتمان، فريدريك العظيم، يوجين دو لا كروا، آدم سميث، إيمانويل كانت، توماس جيفرسون، ماتيو أرنولد، أمبروز بيرس، تيودور روزفيلت، ويليام ألكسندر بيرسي، رالف والدو إيمرسون؛ حيث قرأ كل منهم أو درس أو اقتبس أو أُعجب بتلك الفلسفة.
لم يكن أتباع الفلسفة اليونانية القدامى تافهين، فالأسماء التي ستمر بها في هذا الكتاب - ماركوس أوريليوس، إبيكتيتوس، سينيكا - تنتمي جميعها، وبالترتيب، إلى إمبراطور روماني، كان عبدًا في فترة ما، ولكنه انتصر وأصبح محاضرًا مؤثرًا وصديقًا للإمبراطور هادريان، ومؤلفًا مسرحيًّا ومستشارًا سياسيًّا شهيرًا. وهناك أتباع للفلسفة اليونانية على غرار كاتو الأصغر، والذي كان سياسيًّا مخضرمًا، وزينو الذي كان تاجرًا كبيرًا (مثل العديد من أتباع هذه الفلسفة)، وكلينثس الذي كان ملاكمًا سابقًا وعمل سقاءً ليتمكن من توفير المال اللازم ليبدأ دراسته، وشريسيبوس، الذي فُقدت جميع مؤلفاته، ولكن تقدر الكتب التي ألفها بحوالي ٧٠٠ كتاب، والذي تدرب كعداء للمسافات الطويلة، وهناك بوسايدونياس الذي عمل سفيرًا، وموسونيوس روفوس الذي كان معلمًا، وغيرهم الكثيرون.
واليوم (خاصة بعد نشر كتاب العقبات طريق النجاح*)، حظيت الفلسفة اليونانية بجمهور جديد متنوع، بداية من الأجهزة الفنية لفرق نيو إنجلاند باتريوتس وسياتل سيهاوكس، وصولا إلى مغني الراب "إل. إل. كوول جاي"، والمذيعة ميشيل تافويا، وغيرهم من الرياضيين المحترفين والمديرين التنفيذيين ومديري الصناديق الاستثمارية الآمنة والفنانين والإداريين والشخصيات العامة.
ما الذي وجده أولئك الرجال والنساء العظماء في الفلسفة اليونانية ولم يره الكثيرون غيرهم؟
رغم أن الدراسات الأكاديمية عادة ما تنظر إلى الفلسفة اليونانية على أنها منهجية عتيقة لم يعد أحد يهتم بها، فإن الفاعلين المؤثرين في هذا العالم هم من اكتشفوا أنها تمدهم بالقوة والقدرة التي يحتاجون إليها في حيواتهم العصيبة. وعندما نصح الصحفي وأحد محاربي الحرب الأهلية القدامى أمبروز بيرس أحد الكتاب الشباب بأن دراسة الفلسفة اليونانية ستعلمه "كيف يكون شخصًا مهمًّا في العالم"، أو عندما قال الرسام يوجين دو لا كروا (الذي اشتهر بلوحته Liberty Leading the People) عن الفلسفة اليونانية إنها "مصدر راحته"، كانا يتحدثان من منطلق خبرتيهما. كذلك كان الكولونيل توماس وينتوورث هيجينسون المناهض للعبودية، والذي قاد الفوج العسكري الأول المكون بأكمله من الجنود السود في الحرب الأهلية الأمريكية والذي أصدر واحدة من أفضل تراجم إيبيكتيتوس على الإطلاق، وكذلك كان المزارع الجنوبي والكاتب ويليام ألكسندر بيرسي الذي قاد جهود الإنقاذ خلال الفيضان العظيم في عام ١٩٢٧، والذي امتلك نقطة مرجعية فريدة عندما قال عن الفلسفة اليونانية إنها: "عندما تختفي، سرعان ما تعود لتضيء من جديد". وكذلك فعل المؤلف والمستثمر العظيم تيم فيريس عندما أشار إلى الفلسفة اليونانية على أنها "نظام الشغيل الشخصي" المثالي (واتفق مع مسئولين آخرين كبار على ذلك، على غرار جوناثان نيوهاوس، المدير التنفيذي لشركة كونديه ناست انترناشيونال)