منذ فترة طويلة للغاية قرأت لموراكامي اثنين من أعماله متوسطة الحجم؛ أذكر أنها لم تُعجبني إلى ذلك الحد الذي يجعلني أكرر التجربة مرة أخرى لا سيما وأن بقية أعمال موراكامي كبيرة للغاية في الحجم.
حين كنت أود البدء في القراءة لكاتب ما كنت دومًا ما اختار عملاً صغيرًا له حتى إذا جاءت النتيجة سيئة لا أشعر بخيبة مضاعفة، لكن ما تعلمته عن القراءة بشكل عام بعد ذلك هو أن الأعمال الصغيرة في الغالب لا تكون مُبهرة كمان ينبغي - أو هكذا هي بالنسبة ليّ على الأقل- بغض النظر عن رداءة أعمال الكاتب أو جودتها.
لا وبعد ما يقارب عامين وأنا أشاهد أعمال موراكامي فقط وأشاهد أصدقائي وهم يقرؤن له بحماس وشغف وأنا أهز رأسي فقط وبعد أن تغيرت الكثير من وجهات نظري فيما يتعلق بالقراءة وغيرها؛ قررت أن اقرأ له ليس عملاً كبيرًا فقط بل عملاً ضخمًا بجرأة وإصرار وحظي الجيد أن موراكامي لم يُخيب ظنيّ.
عالم موراكامي غريب للغاية، غريب ومختلف ما بين واقع وشخوص وبيئة طبيعية للغاية وواقعية للغاية وما بين أحداث شديدة الجنون لا يكلف نفسه حتى عناء إعطاء تفسير لها ولا حتى تبريرات حد أنك أحيانًا تُصدق هذا الجنون ويختلط ما هو خيالي بما هو واقعي.
يُقال أن هذا هو ما يُسمى بالواقعية السحرية؛ ويا له من سحر ويا له من واقع ذلك الذي يخلقه موراكامي.
هل عليّ الحديث بعض الشيء عن الرواية ذاتها؟ لا أعتقد أن هذا ممكن الحدوث فما هو في الرواية وما يُقدمه موراكامي بشكل عام لا يحمل مغزى أو فلسفة أو شيئًا ما يمكن تلخيصه، هو فقط يُعطي لك عالمًا آخر كي تعيشه، عالمًا أفضل كثيرًا وأكثر إمتاعًا من عالمك الخاص؛ هذا يجعلك تحتمل عالمك بكل قبحه لبعض الوقت، أو ربما تشعر بالسُخط تجاهه أكثر من ذي قبل كافة الاحتمالات مفتوحة.
الشيء الوحيد المضمون مع موراكامي هو المتعة، الكثير من المتعة.
موراكامي الآن أصبح صديق عزيز، فمرحبًا به وبانتظار جزئها الثالث بشغف غير معهود لديّ!